نادي الطلاب - المركز الإعلامي - عالية العريض
عندما تضع قدمك على أعتاب الجامعة فقد أصبحت شخصاً جديداً بكل ما لهذه الكلمة من معنى، في المرحلة الجامعية تكون قد ودّعت رحلة طويلة من عمرك حيث التوهان والأحلام المتناثرة، واستقبلت عمراً وحياة جديدة. في المرحلة الجامعية أنت شخص مختلف بمسؤوليات وطموحات جديدة، ينتظر منك الجميع شيئاً مختلفاً. كل طالب جامعي يشعر بأنّه أمام تحديات صعبة للغاية، وبأنّه مثقل بأعباء لا طاقة له بها، لذا يتعرّض لمختلف ألوان الضغط النفسي، وهي إحدى القضايا الأساسية التي تؤثر على تركيز الطالب وتحصيله الدراسي.
كل ذلك حملنا على فتح باب التساؤل حول هذه القضيّة والبحث عن الحلول التي أوجدت لمعالجة تلك الظاهرة المزعجة لطلاب وطالبات الجامعة كافة، ومن هنا وصلنا إلى أحد المراكز التي توفّرها الجامعة للتعامل مع هذه الظاهرة، وهو “مركز العناية بالطالب”.
فما هو هذا المركز؟ ومن المسؤول عنه؟ ولماذا يوجد فقط في مباني الطلّاب؟
للتعرّف على المركز بشكل أوضح، توجهنا بداية للمسؤول عن المركز د. مشعل العقيل - استشاري الطب والعلاج النفسي، وذكر “أن مركز العناية بالطالب Well Student Center، كانت بدايته في مرحلة التأسيس عام ٢٠١٦ م، وكان عبارة عن وحدة نفسية لخدمة كلية الطب، وبعدها رأت إدارة الجامعة أن تكون خدماته شاملة لكل الكليات ليخدم جميع الطلاب والطالبات”، وفي حديثه عن هدف وفكرة المركز ذكر د. العقيل أن الفكرة منه هي تقديم خدمات نفسية وإرشادية بشكل عيادي شخصي وليس علاج أمراض نفسية، ويهتم بالمشاكل الشائعة مثل فوبيا الاختبارات، وقلق الاختبارات، والقلق الاجتماعي، والرهاب من العروض التقديمية، ونوبات الهلع، وصعوبات النوم وصعوبات التعامل مع بعض المواقف، أو التكيف مع بعض الظروف. وعن سبب بداية المركز في كلية الطب قبل الكليات الأخرى، ذكر: “احتجنا أن نبدأ في إحدى الكليات؛ لنقيّم التجربة، لمعرفة مدى حاجتنا الفعلية لها، ومن ثم نتوسع فيها إذا أثبتت جدواها. وكانت البداية في كلية الطب لمحدودية الأعداد في الكلية، حيث يمكن عمل إحصائيات بشكل أسرع، بالإضافة إلى أن طول سنوات الدراسة في كلية الطب يترتب عليه زيادة الضغوط النفسية التي يعاني منها الطلاب مما يجعل نسبة الضغط فيها أعلى من غيرها”.
وعن مكان مقر المركز ووجوده في كلية الطب للطلاب "الدور الثاني" بالرغم من أنه يستقبل الطلّاب والطالبات، وهل يعد هذا الأمر عائقا أمام الطالبات وخصوصاً أنّ مجاله حسّاس لارتباطه بالجانب النفسي؟ أجاب د. العقيل بأنه " تم اختيار المقر لتوفر المكان الشاغر والجيّد في كلية الطب، ومستقبلاً سيكون هناك عيادة متنقلة باسم عيادة التقييم السريع، ومن خلالها يتم تقييم الحالات بشكل مبدئي، وعند الحاجة للتقييم المتقدم، سيتم تحويل الحالة لقسم الطالبات حيث سيكون هناك أخصائية نفسية تابعة للوحدة للتقييم والتدخلات البسيطة".
غضب الأهل عند توجّه الطالب للمركز!
ذكر الطالب نوّاف الهبدان من كلية الطب عند سؤاله عن مدى معرفته بمركز العناية بالطالب: “لم أعرف عن المركز إلا عن طريق رئيس برنامج أرشدني عثمان الأمير الذي طلب مني التواصل مع د. مشعل لمناقشة سبل التعاون، وخلال بداية هذه السنة تم عمل محاضرة تعريفية عن المركز لجميع الدفعة”. ويرى نوّاف أنّ التوجه للمركز يعتبر “شجاعة” بسبب نظرة المجتمع لهذه الجوانب النفسية على أنّها مرض نفسي وجنون. كما تحدّث عن تجربة مرت به مع أحد زملائه لديه مشاكل متكررة، فحاول مساعدته من خلال نصحه بالتوجه لمركز العناية بالطالب، وذكر أنّ زميله بعدما استفاد من المركز أخبر أهله بالزيارة، وكانت ردّة فعل الأهل سلبية تجاهه بشكل كبير.
نخدع أنفسنا، ولا يوجد ما يخجل!
عندما قابلنا الطالبة ريم القرني في كلية الصيدلة، قالت في بداية حديثها إن وجود وحدة صحية نفسية في أي جامعة يعتبر من الأساسيات فما بالك بجامعة صحية! وذكرت أن طالب التخصص الصحي بشكل خاص يعاني من ضغوط دراسية مضاعفة قد يتِيه في منتصف الطريق ويحتاج أيدي تساعده وترشده للطريق الصحيح. وأضافت قائلة: "إن معظم الطلاب للأسف يخدعون أنفسهم بأنهم قادرون على تحمل الضغوط وحدهم دون الحاجة للاستشارة". واختتمت ريم حديثها بجملة "لا يوجد ما يخجل" كل منا مرّ بضغوط أعتقد بسببها أن المطاف قد يقف! لذا لمَ لا يأخذ رأي شخص مختص؟! وذكرت ريم أن وجود الوحدة في كلية الطب للطلاب لا يُعد عائقاً وأنّه مكان مناسب.
الأمور النفسية حساسة، المركز يجب أن يكون بعيدا عن الجامعة
وفي كلية العلوم والمهن الصحية، قابلنا الطالب محمد الخريش، وقال “هذه المرّة الأولى التي أسمع فيها عن مركز العناية بالطالب، ولا أذكر أنّ أحد زملائي تحدّث عنها أو استفاد منها”، وبعد شرح فكرة المركز ومكانه، ذكر أنّ الأمور النفسية تعتبر حسّاسة نسبياً، وفضّل أن يكون المكان في عيادات الموظفين بالمستشفى على أن تكون داخل مباني الجامعة حرصاً على سريّة الموضوع. أمّا عن إمكانية زيارته للمركز مستقبلاً، فقال “لا مانع بالتأكيد، وأكون صريحاً، ستكون وجهة نظر الناس والمجتمع لي بأنّي مريض نفسي أو بي خلل ما، وهذا للأسف مفهوم خاطئ، وقد يعيق الكثيرين عن الزيارة”.
المجتمع Social Stigma!
أما الطالبة رحاب العنزي من كلية طب الأسنان فقالت: "لم أسمع بهذه الوحدة من قبل"، ووجودها مهم ولا سيما في مكان يقضي فيه الطلاب أكثر من نصف يومهم. وأوضحت قائلة: للأسف، في مجتمعنا وثقافتنا تعتبر زيارة هذا النوع من المراكز شيء مخجل (social stigma)، لكن ولحُسن الحظ أنا لا أعتقد أن طالب العلوم الصحية يحمل مثل هذا الفكر. واختتمت رحاب حديثها بقولها: ليتهم يكونون أقرب للطلاب حيث إن هناك فئة كبيرة من الطلاب لم يسمعوا عنها وهم بحاجة لها.
"هذه أوّل مرّة أسمع عنها منكم!"
أمّا الطالب مفلح الشهراني من كلية العلوم الطبية التطبيقية، فقال: “هذه أوّل مرّة أسمع عنها منكم!”، وأضاف أنّه في فترة من الفترات مرّ بمرحلة قويّة من الضغوطات والقلق الدراسي وكان الحل الوحيد هو الاستعانة ببعض الأصدقاء المقربين في الشكوى وتخفيف المعاناة، وذكر أنّه لا يتذّكر أي شخص قام بزيارة المركز أو الحديث عنه، ولا يتذكّر أنّه شاهد إعلاناً أو وصلته رسالة للإعلان عن المركز، واعتبر أنّ هناك تقصير كبير في ظل تواجد مثل هذا المركز وعدم الإعلان عنه بين الطلاب والطالبات للاستفادة عن خدماته. وفي سؤالنا الأخير عما إذا كان يفضّل وجود المركز داخل المباني الجامعية أم خارجها ذكر: “أرى أنّ تواجدها خارج الحرم الجامعي أفضل سواء كان في العيادات الخارجية أو في أي مكان آخر، لما قد يتسبب فيه وجودها داخل الحرم الجامعي بعدم فعاليتها بالشكل المطلوب بسبب الخجل الذي قد يشعر به الطلاب والطالبات عند التوجه لمثل هذه المراكز النفسية”.
الأفضل أن تكون الخدمة بشكل إلكتروني أو من خلال الهاتف
أمّا الطالبة ظبية القحطاني من كلية الطب فكان ردّها على مدى معرفتها بمركز العناية بالطالب بقولها “لا أعرف عنها”. وتعتقد ظبية أنّ تسهيل الوصول للوحدة إلكترونيًا أو من خلال الهاتف ونحوه قد يفي بالغرض أكثر من مكان مخصص قد يرى الطلاب أو الطالبات بعضهم البعض فيه ويتحرّجون من الذهاب والتردد على المكان خوفًا من أن يظهروا أمام لجميع أنّهم مصابون أو مصابات. وأضافت أن “النظرة السائدة هي نتيجة كلمات المجتمع من وصم الناس (بالمرضى النفسيين) و التي تحتاج لتوعية عميقة وجذرية من الصغر بتعليم علوم النفس، وأن مثل ذلك لا يعني نهاية الحياة وأن كثيرًا من الحالات تأقلمت و تعافت و أنه لا أحد معصوم من المرض”. وعن تجربتها مع القلق و التوتر، ذكرت أنّها كانت تعاني منها في بداية الجامعة، إلى أن قرأت بعض الكتب في علم النفس التي تعالج بعض الأفكار مثل الحرص الزائد، و الخوف من التعثر، و مع الوقت استطاعت التغلّب عليهما.
الصحة النفسية جزء من قدرة الطالب على العطاء
وقابلنا الطالبة هديل المطيري من كلية الطب أيضاً وقالت لم أسمع بها من قبل لكني أجزم أن صحة الطالب النفسية هي جزء لا يتجزّأ من عافيته الجسدية وقدرته على العطاء لذا يعد وجود "مركز العناية بالطالب" ضمن مرافق الجامعة مهماً ولا سيما ان طالب العلوم الصحية يواجه ضغوطاً مختلفة خلال مراحل دراسته. وقالت هديل "لو عرقل طريقي أمر ما ستكون هذه الوحدة وجهتي، ولمَ لا!". وختمت هديل حديثها بتساؤل: "أين هم طيلة تلك الفترة؟!" الطالب بحاجة لهم، وظهور دورهم مهم بقدر وجودهم أيضا.
مقر الوحدة عائقاً للطالبات
أما الطالبة طيف الشيحة من كلية العلوم الطبية التطبيقية، فقالت: سمعت بمركز العناية بالطالب عندما طُلب مني تعبئة نموذج الاستبانة فقط. وقالت قضيت ثلاث سنوات في الجامعة وأنا الآن في السنة الرابعة والأخيرة ولم أسمع بهذه الوحدة التي ربما احتجت لها في يوم ما. وسألناها عن رأيها في مكان الوحدة في كلية الطب طلاب، فقالت: إن المكان بالنسبة لنا كطالبات يُعد عائقا لأسباب منها بُعد المكان وأخذ وقت للوصول إليه، وأُفضِّل وجود هذه الوحدة في أحد مباني الطالبات.
٨٥٪ الطلاب يفضّلون تواجدها كماهي داخل الجامعة
وبمنطق الأعداد ولغة الأرقام، حصلنا على إحصائيات من مركز العناية بالطالب للوصول إلى عدد المستفيدين من المركز، فوجدنا إحصائية من تاريخ ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦ إلى تاريخ ٥ أكتوبر ٢٠١٦، حيث تقول الإحصائية أنّ عدد المستفيدين هو “٩ طالبات و٧ طلاب”! وفي استبيان شارك فيه ما يزيد عن ٣٥٠ طالب وطالبة، اتضح من النتائج أنّ ٨٨٪ منهم يعتقد بأهمية وجود مركز للمشاكل والقضايا النفسية، و٨٥٪ يرى بأنّ وجود مقر المركز داخل الجامعة أفضل من تواجده خارجها، ويقول ٦٣٪ من المشاركين أنّهم لن يتوجّهوا لأي عيادة نفسية أو مركز العناية بالطالب عند تعرّضهم لضغوطات أو قلق أو حزن وسيفضّلون أن يواجهوها بأنفسهم، وأوضح الاستبيان أيضاً أنّ ١٤٪ من المشاركين سبق وأن قاموا بزيارة عيادة نفسية خارج الجامعة لأسباب متفرقة.