يملك أغلبنا إنْ لم يكن جميعنا هوايةً يجد فيها متعته، ويسعد بممارستها في أوقاتِ فراغه، ولكن ما الحلول أو الخيارت المتاحة في حال تقاطعت هذه الهواية بشكلٍ أو بآخر مع الأهمية الملحة لطلب العلم، وضرورة التحصل على شهادة علمية؟ تبادر إلى أذهاننا هذا السؤال، وقادنا إلى سلسلةٍ من الأسئلة الأخرى، وها نحن اليوم نلتقي بأحدِ طلابنا المستجدين، الطالب (نواف الطاهر)، وهو أحد هواة رياضة تنس الطاولة؛ ليجيب في هذا اللقاء عن بعض هذه الأسئلة.
بدايةً أخذنا نبحثُ في الشخصية والتكوين، مَن هو نواف؟ لنخرج بنبذةٍ مختصرة ٍعنه، نواف ابن لعائلةٍ متوسطة الدخل، تعيش ضمن محيطٍ مترابطٍ أسرياً، هو أصغر إخوته، أكمل مسيرته الدراسية من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية في محافظة الأحساء.
كيف نشأة نواف؟ ومتى اُكتُشِفت موهبته؟
كان نواف يرافق والديه إلى الاجتماعات العائلية، وهناك كان يرى خاله وهو يمارس رياضة تنس الطاولة، وسرعان ما تولع بها وأحبَّها، بدأ في ممارستها عند سنِّ العاشرة بكلِّ شغف، إلى أنْ اكتشف خاله موهبته وحبه لهذه اللعبة، فقابل ذلك بالدعم وتقديم المساعدة والتوجيه، ولم ينتهِ عند ذلك؛ بل شجع نواف على دخول نادي الفتح الرياضي، ومِن هنا كانت البداية.
وبسؤاله عن المصاعب والصراعات التي عايشها نواف على المستوى العلمي والرياضي، أخذ نواف يذهب إلى النادي بانتظام، يلعب كرة الطاولة، ويتطور بها يوماً بعد يوم، في رحلةٍ استمرت فترةً طويلة، لم يكن يواجه صعوبات أو عراقيل تحول دونه ودون ممارسة ما يهوى، إلى أنْ وصل إلى المرحلة الثانوية، هنا بدأت الضغوطات بالظهور، وبدأ نواف يشعر بالتقصير في مسيرته العلمية، فشغفه بممارسة هوايته أعماه عن ملاحظة تقصيره الدراسي. أخذتْ درجاته التحصيلية بالتدني، وبدأ يشعر بالتذبذب، الأمر الذي أدى إلى أن يضغط والداه عليه؛ للابتعاد عن ممارسة هذه الهواية، والالتفات إلى العلم والدراسة؛ لرغبتهم في نجاح ابنهم في حياته الدراسية قبل الرياضية، ولاقتناعهم التام بأنَّ العلم والشهادة هما المستقبل، وهما الأنفع لابنهم وفلذة كبدهم.
وقّع نواف في صراعٍ مع نفسه، هل يبتعد عن ممارسة هوايته؛ إرضاءً لوالديه؟ أم يجعل مايحدث عاملاً محفزاً له؟ أخذ وقته في التفكير، وأخيراً استجمع قواه، وحسم الأمر، جعل يحدّث نفسه قائلاً:" سوف اجتهدُ في دراستي وأتحصَّل على أعلى الدرجات؛ لكي يتسنى لي ممارسة هوايتي". وما إنْ يرجع من المدرسة إلى البيت حتى يبدأ في المذاكرة وحلِّ الواجبات، كان يضحي بالقيلولة في سبيل الوصول إلى هدفه، كان يصارع المتاعب، ويقارعها بالطموحات، حوّل تلك الصعاب إلى مدفعٍ يرفعُ سقف هممه رفعًا إيجابيًا، ويدفعه نحو الأمام وصولاُ إلى تحقيق غاية والديه، وغايته في آنٍ واحد.
بالعزيمة وقوة الإرادة أصبح نواف قادراً على الذهاب إلى ناديه؛ ليمارس هوايته ويطور مِن أدائه، حتى انتقل مِن هاوٍ شغوفٍ إلى محترفٍ يقفُ في أوائل الصفوف، دخل في العديد من المسابقات، وحقَّقَ الفوزفي كثيرٍ من البطولات والمراكز، حاز على مجموعةٍ من الميداليات، ومن أبرزها: الميدالية الذهبية في بطولة الخليج على مستوى الفرق، والفضية على المستوى الزوجي عام 2015، وفي العام نفسه حاز على بطولة البحرين الدولية المدرجة ضمن سلسلة بطولات العالم، وحقَّق المركز الثالث على المستوى الفردي، والمستوى الثالث على مستوى الفرق، كما حاز على الميدالية الذهبية نظير حصوله على المركز الأول في بطولة غرب آسيا لهذا العام 2019.
كل تلك الإنجازات وما عاصرها من مصاعب وضغوطات، قادتنا إلى سؤالٍ آخر: نواف، هل تطمح إلى تحقيق إنجازاتٍ أخرى بعد انضمامك إلى جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعوم الصحية؟ كانت الإجابة صريحة وواضحة، أتت من منطلقٍ واعٍ، من شخصٍ له صولات وجولات في مضمار الإنجازات، كانت الإجابة: أنا سعيد بما توصلت إليه اليوم من إنجازاتٍ على المستوى الرياضي! ولكني في الوقت الراهن أسعى للتركيز على المسار العلمي أكثر من الرياضي، وهذا لا يعني اعتزال هوايتي المحببة؛ بل السعي لوضع جميع الأمور وفق نصابها السليم، وتحقيق التوازن العلمي والرياضي بما لا يعود على أحديهما بالضرر.
كانت إجابة شافية وكافية، رسمت لنا كلماتُ نواف صورة تخيلية توضح القدرة الدفينة الموجودة في ذات الإنسان، والتي يستمد منها طاقته ويوظفها؛ لتحقيق رغباته، تبيّن الصورة ألّا مكان لليأس في ظلِّ وجود العزيمة، وأنَّ للنجاح دهاليزٌ وأسرار، ومن أهمها الشغف والإصرار.
كان آخر أسئلتنا لنواف: ما النصيحة التي تقدمها لزملائك الطلاب خصوصًا، ولكل من قد يقرأ قصتك عمومًا؟ أجاب نواف: عندما تقودك الحياة إلى مفترق طرق: الأول تسلك من خلاله طريق العلم والمعرفة، والآخر تجد فيه نفسك وما تهواه، فعليك أن تقف وتفكِّر تفكيرًا جيدًا، عليك تحديد أيّ الطريقين سوف يقودك إلى حياةٍ ناجحةٍ على كافة المقاييس؟ احصر الفرص والمخاطر، ضع المدخلات، وارسم طريقاً افتراضياً، ثم قارن بين نتائج مخرجاتك، وعلى ذلك حدد أيَّ طريقٍ تسلك.
كان لقاءً جميلاً مع نواف، استفدنا منه الكثير، تعلمنا منه أنَّ الشغف أحد دوافع النجاح، وأنَّ كلَّ واحدٍ منا باستطاعته تحقيق أحلامه ما إنْ يجد الوسيلة المناسبة، والمصدر الملهم الذي يستمد منه الطاقة للمضي إلى الأمام، تعلمنا أنْ نمارس ما نهوى ممارسةً لا تؤثِّر على مستقبلنا العلمي، استفدنا أنْ نُحكِّمَ العقل لا الحواس في اتخاذ قراراتنا، أنْ نضع الأوليات قبل الرغبات دائماً، كما فعل نواف، فهو يهدف الآن إلى تكريس غالب وقته في طلب العلم؛ حيث إنَّ الشهادة الأكاديمية هي السلاح الذي يطمح إلى التحصل عليه، والوصول من خلاله إلى أسمى المراتب الوظيفية، فالعلم والمعرفة هما ضالة هذه الحياة، ولكلٍّ منهما عاقبة، ولا يعقب مرار الكفاح والعلم سوى التلذذ بتحقيقِ الحلم.