بقلم: محمد الشثري ـ إدارة التوظيف
مما تميز به العرب عن غيرهم من الأقوام هو حسن لفظهم وجمال تعبيرهم وسرعة خواطرهم فكلامهم متقن وقوي البنيان فيه جزالة ورصانة فاستطاعوا تجميل القبيح وتقبيح الجميل ففي شعرهم أبدعو في أوصاهم وبالغوا فيه بحسن منطوقهم حتى وإن كانت مجرد خيال في أذهانهم فكم من باطل يزينه الرجل بحسن لفظه وتنميق عبارته وحلاوة حديثه وكم من حق يفسده صاحبه بسوء عبارته وخشونة كلامه فيصبح قبيحاً فيرد, ولذلك قيل أشعر الناس الذي يصوّر الباطل في صورة الحق، والحقّ في صورة الباطل بلطف معناه ودقة فطنته فيقبّح الحسن الذي لا أحسن منه، ويحسّن القبيح الذي لا أقبح منه فكيف إذا أعطوا الجميل والقبيح حقه.
كل ذلك بملكة اللسان الذي تميز العرب به عن غيرهم فشواهد ذلك في كتب الأدب كثيرة, ومن جميل ما يذكر في هذا الباب من فصاحة لسانهم وتناثر الكلام من أمام أعينهم أن أعرابي سمع ابنه يكذب فقال له : يا بني عجبت من الكذاب المشيد بكذبة وإنما يدل على عيبه ويتعرض للعقاب من ربه فالآثم له عادة والأخبار عنه متضاده فما صح من صدقه نسب إلى غيره وما صح من كذب غيره نسب إليه فهو كما قال الشاعر :
حسب الكذوب من المهانة بعض ما يلقى إليه .. فإذا سمعة بكذبة من غيره نسبت إليه
ومن أفضل ما يذكر في جميل التخلص وحسن التدبير وسرعة الخاطر وتبديل الكلام وتكيفه حسب ما يشاء المتكلم ما يروى أن رجل دخل على أحد السلاطين فصبحه عند المساء فقال له السلطان أتهزاء بي أصباح هذا أم مساء فقال:
صبحته عند المساء فقال لي .. ماذا الصباح وظن ذاك مزاحا
فأجبته إشراق وجهك غرني .. حتى توهمت المساء صباحا
فقوة اللسان وسرعة البديهة وبيان الكلمة من الأمور المحمودة عند العرب ولذلك كانوا يبعثون بأبنأهم إلى البادية لفصاحة أهلها ولصفاوة أذهانهم وقدرة تعبيرهم ولذلك كان القرآن الكريم معجزة للعرب لما فيه من فصاحة وبيان للسامع حتى اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر لما كان في القران فوق المعهود والمعلوم عندهم لأنه خارق للعادة بقوة تأثيره في القلوب وجذبه النفوس إلى الإيمان, وكل معجزات الأنبياء نزلت في قوة ما اتصفت به أقوامهم.
لذلك قراءة القرآن من الأمور التي تساعد على تقوية اللسان وفصاحته لما فيه من بلاغة وأسلوب وبيان وتعبير, ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال رووا أبنائكم الأشعارفإنها تهرت الأشداق أي تكبر وتوسع الأفواه لتعينهم على الكلام وحسن النطق, فالقرآن الكريم والأشعار وأحاديث العرب ونوادرهم كلها أمور تقوم اللسان وتعين على ضبطه وبيانه.